الإسكندرية عروس البحر المتوسط
جدول المحتويات
تقع مدينة الإسكندرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، و تمتد على الساحل بحوالي 55 كيلو متر، وتتميز بكثير من المعالم المميزة كمكتبة الإسكندرية، وقلعة قايتباي، والمتحف اليوناني الروماني، وغيرهم.
نشأة وتخطيط مدينة الإسكندرية
بعد أن قامت مقدونيا بتوحيد الإغريق، أراد “فيليبوس الثاني المقدوني” حاكم مقدونيا القديمة غزو الإمبراطورية الفارسية ولكنه قُتل قبل قدومه على ذلك، وقام بتنفيذ هذه المهمة ابنه الإسكندر الثالث المقدوني أو كما هو شائع “الإسكندر الأكبر”، فتمكن من الإنتصار عليهم في آسيا وبعد ذلك أقدم على السيطرة على الشواطئ الشرقية للبحر المتوسط ومدنها وموانئها حتى وصل إلى منطقة الإسكندرية، وهناك تمت مقابلته بالترحيب والفرحة من المصريين لتخلصهم من الحكم الفارسي، حينها لاحظ الإسكندر وجود المنطقة التي تقع بين البحر الأبيض المتوسط وبحيرة مريوط والتي لها الكثير من المميزات التي تجعل منها بقعة ممتازة لإقامة مدينة، وسرعان ما طلب من المهندس الإغريقي والمستشار الفني “دينوقراطيس” بعمل تخطيط لإنشاء مدينة على هذه البقعة، وقام دينوقراطيس بتنفيذ التخطيط في العام 331 ق.م بالنمط (الهيبودامي) الذي كان منتشر تطبيقه على الكثير من المدن اليونانية من القرن الخامس قبل الميلاد، وهذا النمط عبارة عن شارعين رئيسيين يتقاطعون بزاوية قائمة ثم شوارع أخرى فرعية متوازية مع كلا الشارعين المتقاطعين ما يجعل المظهر النهائي للتصميم يشبه رقعة الشطرنج، وقام بعد ذلك بعمل جسر طوله حوالي 1300م يقوم بالربط بين الجزيرة واليابسة، تلك الجزيرة التي عرفت بإسم جزيرة فاروس بسبب إنشاء فنار الإسكندرية عليها، وبعد إقامة هذا الجسر تكون ميناءان (الميناء الكبير “الشرقي”) الذي أكتسب أهمية كبيرة أثناء العصر الروماني والعصر البطلمي، و(ميناء العود الحميد “الغربي”)، ثم بعد ذلك قسم المدينة إلى 5 أحياء منهم “حي اليهود” و”الحي الملكي” و”الحي الوطني”، وفي العام 332 ق.م تم إنشاء المدينة وتسميتها بالإسكندرية نسبة إلى الإسكندر الأكبر لتأسيسه المدينة.
تاريخ الإسكندرية
عهد البطالمة
نظرا لموقع الإسكندرية المتميز اتخذها البطالمة عاصمةً لهم، كما أصبحت الميناء المصرية الأولى والمركز الأول للمعاملات المصرية التجارية لوقوعها على ساحل البحر المتوسط مباشرة، وكانت مصر في ذلك الحين تقوم بصناعة السفن عن طريق استيراد خشب الأرز من الشام وشمال البلقان، كما قام البطالمة باستيراد الرخام من اليونان، والفضة من أسبانيا واليونان، والمنسوجات الحريرية من فينيقيا، والذهب من أسبانيا والهند، كما استوردوا أيضا ريش النعام والأحجار النفيسة، وكان يتم تصدير ورق البردي والزيت والقمح والمصنوعات الزجاجية، كما تم إنشاء الموسيون “دار ربات الحكمة” وكان البطالمة يستقدمون الأدباء وأهل العلم من مختلف دول العالم للدراسة بها، وتم إنشاء المكتبة الكبرى (مكتبة الإسكندرية القديمة)، وقاموا أيضا بفتح الهجرة أمام اليونانيين إلى مصر والإسكندرية.
عصر الرومان
في بداية العصر الروماني قام الإمبراطور قيصر أوغسطس بإصدار عفواً كاملاً عن المواطنين المصريين والسكندريين أثناء خطبة ألقاها باليونانية داخل الجمنازيوم لإعجابه بمدينة الإسكندرية وإعترافه بفضل صديقه أريوس وأيضا من أجل مؤسس الإسكندرية “الإسكندر الأكبر”، وكان هذا على عكس ما يحدث عند أي فتح مدينة في ذلك الحين من قتل ونهب وسرقه، كما سمح للسكندريين بإدارة شئونهم دون إقامة مجلس شورى، ولكن لم يرض السكندريون عن الوضع السياسي الجديد الذي تسبب في تقليل الأهمية السياسية للمدينة، وظلوا غير قادرين على الإنقلاب على الرومان حتى نهاية القرن الثاني حين اشتد الصراع السياسي في روما ثار السكندريون على الإمبراطور مما تسبب في حدوث أذى كبير للمدينة.
العصر الفاطمي
أصبحت الإسكندرية خلال العصر الفاطمي أهم قاعدة بحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط من الناحية الحربية ومن الناحية الإقتصادية، كما تميزت بصناعة المنسوجات الكتانية والصابون والشمع وزراعة النباتات الزيتية كالسمسم والزيتون كما تطور النشاط التجاري السكندري نتيجة لتبعية جزيرة صقلية للدولة الفاطمية وذلك ما جعل من الإسكندرية في العصر الفاطمي مركزاً عالمياً تجارياً، ونتيجة لهذا الإزدهار التجاري والصناعي تمتع المواطنون السكندريون بحياة رغدة مما ساعدهم على القدرة على البناء حتى امتلأت المدينة بالمتنزهات والقصور، كما أُطلق على الإسكندرية خلال هذا العصر بباب المغرب لتميزها بالملامح المغربية حيث كان يعبر من خلالها المغاربة سواء قدوماً لها أو عودة للمغرب للعلم أو الزيارة أو الحج أو غيره، وانتهى العصر الفاطمي على يد صلاح الدين الأيوبي.
الدولة الأيوبية
بفضل الخنادق والأسوار التي بناها صلاح الدين الأيوبي أصبحت مدينة الإسكندرية أكبر قاعدة بحرية بمصر، كما كانت المدينة محصنة بسبب تقويته لأجهزة الحراسة والدفاع فكانت تشد سلاسل حديدية في البحر وحتى الآن يطلق على الميناء الشرقي اسم السلسلة، ولم يقتصر صلاح الديون الأيوبي على الإهتمام بالجانب الحربي فقط بل اهتم أيضا بالعمران والإقتصاد والثقافة حتى زادت من رفاهية وحضارة أهل المدينة، وحتى بعد وفاة صلاح الدين ظل خلفاؤه يهتمون ويعتنون بالمدينة، حتى انتهت الدولة الأيوبية بقدوم الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع وذلك في العام 1849م.
عهد المماليك
- دولة المماليك البحرية: عرف هذا العصر بالعصر الذهبي للإسكندرية نتيجة للتقدم الإقتصادي الذي بدوره أدى للتقدم العمراني للمدينة ما جعلها محط أنظار العالم، كان الظاهر بيبرس والأشرف شعبان ومحمد ابن قلاوون أهم من ساهموا في هذا الإزدهار خلال هذا العصر، ومن أهم ما قام به الظاهر بيبرس تطهير خليج الإسكندرية من الرواسب التي أعاقت مجراه، كما نصب عدد بلغ مائة منجنيق على أسوار المدينة، كما رمم فنار الإسكندرية، وبعد زلزال 702 هجرية قام محمد بن قلاوون بإعادة ترميم الفنار مرة أخرى، كما قام بحفر خليج الإسكندرية عام 710 هجرية وظل يعمل لمدة 60 عام حتى انقطعت مياهه ما أدى لتلف الكثير من البساتين واختفت قرى كانت موجودة على خليج الإسكندرية.
- دولة المماليك الشراكسة: قام السلطان قايتباي بإختيار المكان الذي بنى فيه منارة الإسكندرية حتى يبنى القلعة المعروفة باسمه حتى الآن “قلعة قايتباي”، وكان الإهتمام خلال هذا العصر موجها ناحية الأبنية الدينية ومنها (مسجد أبو العباس المرسي) و(مسجد ياقوت العرش) و(مسجد الشيخ البوصيري) كما تم إقامة دورا للحديث (كدار الحديث النبيهية)، حتى تم إكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح من قِبل البرتغاليين في القرن التاسع من الهجرة وبذلك تم خلق سوق ينافس السوق المصري عرفه الأوروبيون وذلك أدى لتضرر الاقتصاد المصري الذي بدوره أدى لتدهور العمران السكندري بسبب انقطاع مياه نهر النيل عن المدينة وتحولت البساتين إلى أراضٍ قاحلة.
الحرب العالمية الأولى والثانية
بسبب استنزاف بريطانيا للموارد المصرية والحكم الظالم التي شهدته الإسكندرية خلال الحرب العالمية الأولى، تم انطلاق مظاهرات (ثورة “1919”) تطالب بالحرية والإستقلال حتى استجابت بريطانيا بفرض شروط على بعض المطالب، وعند الحري العالمية الثانية كانت الإسكندرية قد أصبحت قاعدة للأسطول البريطاني وأصبح خط حديد الإسكندرية ـ مطروح خطا حربيا لبريطانيا، وبسبب تعرض المدينة لغارات الألمان والإيطاليين ذهب عددا من المواطنين ضحية بدون وجه حق، وفي نهاية الحرب العالمية الثانية ولدت الجامعة العربية وتم بها توقيع الوثيقة الأولى في بناء الجامعة في العام 1944م والذي عرب ببروتوكول الإسكندرية.
ثورة يوليو 1952م
نتيجة للإحتلال البريطاني الإنجليزي زاد عدد الأجانب في المدينة والذي أدى لحماية بريطانيا لهم وتمتعهم بالكثير من الإمتيازات، والذي أدى بدوره إلى أن الإسكندرية عند الثورة كانت ذات طابع أوروبي، وبسبب إلغاء معاهدة 1936 تم تدهور الوضع السياسي ما أدى إلى قيام الإنجليز بأعمال وحشية ضد المدنيين، فقام ضباط الجيش “الضباط الأحرار” بالتمثيل في كل المدن ومن بينهم الإسكندرية، وبتاريخ 23 يوليو 1952م تم إعلان بيان الثورة الأول بالنجاح و أرسلت جامعة الإسكندرية تأييدها للثورة فكانت الإسكندرية من السباقين في مناصرة الحركات التحريرية، وبتاريخ 26 يوليو 1952م ذهب كلا من القائد العام ومحمد أنور السادات إلى مقر الوزارة بمدينة الإسكندرية لمقابلة رئيس الوزراء لتقديم إنذار للملك فاروق ليتنازل عن العرش، وبالفعل وقع الملك فاروق وثيقة التنازل وتوجه برفقة سفير الولايات المتحدة للميناء ليغادر، ومن المشروعات التي تمت في عهد الثورة في مدينة الإسكندرية إنشاء محطة ركاب وشق طريق النصر الذي بلغ عرضه 30 مترا حيث يبدأ بالميدان أمام خروج الركاب و ينتهي عند ميدان المنشية، كما تم إنشاء إذاعة الإسكندرية المحلية، وإعادة تخطيط تل كوم الدكة، وتجديد ترسانة الإسكندرية، وتم إنشاء المنطقة الحرة.
الآثار والمتاحف
نتيجة لتعدد الثقافات والحضارات التي عاصرتها الإسكندرية، حظيت بالعديد من المزارات التاريخية والثقافية وكذلك السياحية ومنها:
- قلعة قايتباي: التي بناها السلطان قايتباي في نفس المكان الذي تم بناء فنار الإسكندرية القديم فيه، وتبلغ مساحة القلعة 17550م².
- حدائق المنتزة الملكية: تبلغ مساحة تلك الحدائق حوالي 370 فدان، وتوجد شرق المدينة في حي المنتزة، كما يوجد بها قصر المنتزة الملكي وهو مبني على الطراز الإيطالي، وتضم أيضاً منشآت سياحية وشواطئ.
- متحف المجوهرات الملكية: تم تأسيس هذا القصر في العام 1919م على الطراز الأوروبي من قِبل زينب هانم فهمي، وأكملته ابنتها الأميرة فاطمة الزهراء، وبقرار جمهوري تم تحويل القصر إلى متحف في العام 1986م، ويضم هذا المتحف عدداً من المجوهرات الملكية يبلغ 11,500 قطعة.
- المتحف اليوناني الروماني: افتتح المتحف الخديوي عباس حلمي الثاني في العام 1895م، وكان في البداية يضم 11 قاعة فقط، ولكن مع ازدياد الإكتشافات الأثرية تم زيادة عدد القاعات حتى أصبحت 25 قاعة، وكل قاعة منهم تضم آثاراً ترجع لعصور مختلفة، ويضم المتحف أيضا آثاراً فرعونية وأخرى تعود للعصر اليوناني الروماني.
شواطئ الإسكندرية
نظرا لوقوع المدينة مباشرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، فتتمتع بعدد كبير ومميز من الشواطئ العامة والخاصة ومن بينهم:
- ستانلي.
- البوريفاج.
- المندرة 1، والمندرة 2، والمندرة 3.
- أبو هيف 1، وأبو هيف 2.
- البيطاش 1، والبيطاش 2.
- جليم.
- المكس.
- بليس ،وغيرهم.
المنشآت الدينية
حظيت الإسكندرية بالعديد من المنشآت الدينية والمعابد التاريخية عبر العصور.
المنشآت أو المساجد الإسلامية: مسجد سيدي بشر نسبة إلى الشيخ بشر ابن الحسين ابن محمد ابن عبيد الله ابن الحسين ابن بشر الجوهري، ومسجد أبي العباس المرسي، ومسجد القائد إبراهيم الذي تم بناءه في العام 1948م.
الكنائس: الكنيسة المرقسية الكبرى وهي كنيسة أرثوذكسية مشرقية، وكنيسة الشهيد مارمينا.
المعبد اليهودي: وذلك نظرا لأن الإسكندرية كانت موطنا لعدد كبير من اليهود الذين هاجروا من المغرب واليونان وفلسطين وسوريا وغيرهم، حيث بلغ عددهم حوالي 40,000 في العام 1948م.